ولد
الإمام أبو الحسن الأشعرى سنة ستين ومائتين من الهجرة النبوية ، وأخذ الحديث عن
زكريا بن يحيى الساجى أحد أئمة الحديث والفقه ، وأخذ علم الكلام عن شيخه زوج أمه
أبى على الجبائى شيخ المعتزلة .
ولما
تبحر فى كلام الإعتزال وبلغ فيه الغاية ، كان يورد الأسئلة على أستاذه فى درس
المعتزلة ، ولا يجد فيها جواباً شافياً فتحير فى ذلك ، فحكى عنه أنه قال : وقع فى
صدرى فى بعض الليالى شئٌ مما كنت فيه من العقائد ، فقمت وصليت ركعتين وسألت الله
تعالى أن يهدينى الطريق المستقيم ونمت ، فرأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
فى المنام فشكوت إليه بعض ما بى من الأمر ، فقال لى رسول الله : عليك بسنتى ،
فانتبهت وعارضت مسائل الكلام بما وجدت فى القرآن والأخبار فأثبته ، ونبذت ما سواه
ورائى ظهريًا .
وكانت
المعتزلة قد رفعوا رؤوسهم حتى أظهر الله تعالى الأشعرى فقمعهم وحجزهم ، ولذلك فهو
أعدى الخلق إلى المعتزلة فهم يشنعون عليه وينسبون إليه الأباطيل .
قال
الإمام ابن كثير عنه : " إن الأشعرى كان معتزلياً فتاب منه بالبصرة فوق
المنبر ، ثم أظهر فضائح المعتزلة وقبائحهم " .
وأجمع
أهل العلم أن الإمام الأشعرى عقيدته وعقيدة الإمام أحمد بن حنبل – إمام أهل السنة –
واحدة لا شك فى ذلك ولا ارتياب .
وبعد
وفاة أبو الحسن الأشعرى عام 324 هــ ، ظهرت فرقة كلامية إسلامية تدعى الأشعرية ،
وقد إتخذت الأشاعرة البراهين والدلائل العقلية والكلامية وسيلة فى محاججة خصومها
من المعتزلة والفلاسفة وغيرهم ، لإثبات حقائق الدين والعقيدة الإسلامية .
وقد
خالف الأشعرية أهل السنة فى كثير من الأبواب فهم لا يثبتون صفةً لله إلا إذا وافقت
عقولهم وإلا أولوها ، أما أهل السنة فيثبتون ما أثبته الله لنفسه وما أثبته رسوله –
صلى الله عليه وسلم – من غير تأويل ولا تعطيل ولا تحريف ولا تشبيه .
قال
ابن عبد البر رحمه الله تعالى : " أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات
الواردة كلها فى القرآن والسنة والإيمان بها ، إلا أنهم لا يكيفون شيئاً من ذلك ،
ولا يحدون فيه صفة محصورة ، وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة والخوارج فكلهم
ينكرها ، ولا يحمل شئ منها على الحقيقة " .
والأشاعرة
يثبتون لله سبع صفات فقط هى ( الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر
والكلام ) ، ويأولون باقى الصفات ، بل هم مضطربون فى كيفية إثبات تلك السبع !!!
فيفسرون
كلام الله على غير ما يعتقده أهل السنة من أن الله تكلم بالقرآن حقيقةً ، بل عندهم
بأنه حديث نفسى ، ويفسرون يد الله تعالى بقدرته ونعمته ، واستواءه على عرشه
بالاستيلاء عليه ونحو ذلك .
قال
ابن باز رحمه الله : " لا يجوز تأويل الصفات ، ولا صرفها عن ظاهرها اللائق
بالله ، ولا تفويضها ، بل هذا كله من إعتقاد أهل البدع ، أما أهل السنة والجماعة
فلا يؤلون أيات صفات الله وأحاديثها ولا يصرفونها عن ظاهرها ولا يفوضونها ، بل
يعتقدون أن جميع ما دلت عليه من المعنى كله حق ثابت لله لائق به سبحانه لا يشابه
فيه خلقه " .
وللأشاعرة
عقائد تخالف أهل السنة والجماعة فى القضاء والقدر ، وفى حكم صاحب الكبيرة ، وفى
رؤية الله تعالى ، وهم فى الإيمان بين المرجئة التى تقول يكفى النطق بالشهادتين
دون العمل لصحة الإيمان ، وبين الجهمية التى تقول يكفى التصديق القلبى ، مخالفين
بذلك جمهور أهل السنة بأن الإيمان يصدقه العمل ويزيد وينقص بالطاعة والمعصية .
أما
أن يخرج أحد فيدعى أن الأشاعرة هم أهل السنة وحدهم وأن غيرهم هم الوهابيون المتشددون ، فهذا كلام
إن دل فإنما يدل عل جهل قائله ، مستغلاً مكانته فى تأصيل مذهبه وتنفير الناس فى
دعوة الحق .
ومع
ذلك كله ، إلا أن أهل السنة أهل إنصاف لا أهل إجحاف ، فهم لا يحكمون بكفر الأشاعرة
، بل هم أقرب الناس إلى أهل السنة ، وقد نصر كثير منهم السنة وردوا على أهل البدع
من المعتزلة وغيرهم ، ولا يعنى ذلك تصحيح ما هم عليه ، بل هم من جملة أهل البدع ،
إلا أن البدع ليست فى درجة واحدة .
ولذا
يقرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الأشاعرة إذا كانوا فى بلد ولا يوجد
غيرهم فهم أهل السنة فى ذلك البلد .
ولا
عدمت بلاد الأسلام من أهل السنة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق