خطبة الجمعة 25 ربيع الآخر 1439هـ
الموافق 12 يناير 2018
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ
بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا
هادي له
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
(يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً
وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ
عَلَيْكُمْ رَقِيباً)
(يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً،
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)
أما بعد ،،،
إن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي
محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل
محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
أما بعد،،،
إن شباب الأمة هم أساس قوتها، وعماد نهضتها،
ورأس مالها، وعُدة مستقبلها، ومبعث عزتها وكرامتها، وهم ذخرها الثمين، وأساسها
المتين، فعزهم عز للأمة وضعفهم وخسارتهم خسارة لها.
إنهم صمام الأمان – بعد الله سبحانه – لهذه
الأمة من أعدائها، وهم صناع الحضارة والتاريخ، وهم عنوان المستقبل، لأنهم يملكون
في أيديهم الطاقة والقوة والحماسة والبذل والعطاء.
إنهم الأمل في النهوض ببلادنا وأمتنا، والمضي
بها إلى الرقي والتقدم متى قمنا بواجبنا تجاههم بالتربية الصحيحة على الإيمان
الصادق، والعمل الصالح، والخلق السامي النبيل، وتلك التربية تكون سبباً بفضل الله
للأخذ بأيديهم إلى العزة والرفعة، وحماية الدين والعرض، والإجتهاد في استخراج كنوز
الأرض، والإستفادة من مواردها، وخيراتها، وإقامة المشروعات المفيدة، والعمل على
استرداد المجد والكرامة، والسيادة لبلادهم وأمتهم.
هذه المرحلة العمرية من الشباب هي أخصب مراحل
العمر ففيها يبني الشاب شخصيته، ويجاهد نفسه، ويصلح شأنه، ويسلك طريقه التي توصله
إلى أفضل وأعلى المراتب.
ولقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم –
حريصاً على هذه الفئة وخصها بمزيد من العناية والرعاية، فخرج من بين يديه جيل عظيم
تمسكوا بدينهم ونصروه وعزّروه، وأصبحوا مفاتيح خير لمجتمعهم، وشامة نور في تاريخ
أمتهم.
إخوة الإسلام: عن ابن عباس رضي الله عنهما
قال : " ما أتى الله عز وجل عبداً علماً إلا شاباً، والخير كله في الشباب
" ثم تلا قوله تعالى : " قالوا سمعنا فتىً يذكرهم يقال له إبراهيم
"
وقال تعالى : " إنهم فتيةٌ ءامنوا بربهم
وزدناهم هدى "
وجاء في الحديث الذي رواه الشيخان، عن أبي
هريرة رضي الله عنهما قال رسول الله – صل
الله عليه وسلم - : " سبعةٌ يظلهم الله يوم القيامة في ظله يوم لا ظل
إلا ظله : إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله ..... "
شاب مسلم قوي عاش عابداً لله، تالياً كتابه،
متبعاً لسنة نبيه، غاضاً لبصره، حافظاً لجوارحه عما حرم الله، لم يستسلم للملهيات
والمنكرات، بل عمّر وقته في طاعة مولاه.
هذا الشاب إذا عرضت له المعصية وزينها له
الشيطان فإنه يكبح جماح نفسه ويخاف من الله ويمنعه دينه من الوقوع فيها، ويؤثر ما
عند الله من حياة أبدية لا تفنى على المتاع الزائل.
هذا الذي يرى أقرانه في السهر واللهو والفساد
وسائر المتع البهيمية، ويشتغل بعبادة ربه وطاعته ويسعى في الأرض لكسب المال الحلال
وإنفاقه في الحلال.
إخوتي : هنيئاً لشاب تقي زكي تعلق قلبه
بعبادة ربه واعتاد المساجد ومجالس الخير وعمل الصالحات. هنيئاً له إذا اغتنم شبابه
قبل هرمه، وصحته قبل سقمه، وغناه قبل فقره، وفراغه قبل شغله، وحياته قبل موته.
فمن علم أن الشباب ضيف لا يعود وفرصة إذا مرت
لا رجوع لها، شغل شبابه بطاعة الله، واستعان به على الصالح لدينه ودنياه وأخرته،
ومن تعود على الطاعة في صغره فإنه يفعلها قادراً عليها في كبره.
وإنما أكرم الله ذلك الشاب الذي نشأ في
عبادته لأنه جاهد نفسه وهي عصية عليه في سبيل الله، وعبّدها له سبحانه، فمن السهل
أن يتعبد الشيخ الهرم الذي أفنى عمره وماتت الشهوة في قلبه، أما أن يتعبد ويتقي
الله شاب في فورة الشباب وريعانه فهذه عزيمة يحبها الله عز وجل ويجزي عليها بالأجر
العظيم.
أيها الأخوة :
الناظر في التاريخ الإسلامي يرى سيرة شباب من
أبناء المسلمين تسر الخاطر، وتشرح الصدر، وتؤنس النفس، شباب آمنوا بربهم وزادهم
هدى، عرفوا الطريق الحق فلزموه، وابتعدوا عن طريق الباطل وهجروه، أبصروا القدوة
فانقادوا إليها محبة ووفاء واستجابة، تركوا الدنيا من أجل الأخرة، جاهدوا في الله
حق جهاده فنالوا أعلى المراتب في الدار الأخرة.
ومما يثلج الصدر أن الأمة لا يزال في شبابها
الخير، أولئك الذين نشأوا في عبادة الله، يملئون المساجد والمدارس والجامعات،
يطلبون العلم الشرعي، ويدعون إلى دين الله، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
وإن العامل الوحيد للأخذ بأيدي هؤلاء الشباب
ولتنشئة غيرهم هو التوجيه الصالح الرشيد الذي يتضافر عليه البيت والمدرسة ووسائل
الإعلام المرئية والمقرؤة والعلماء والخطباء والقادة.
كل أولئك يجب أن تتضافر جهودهم لتوجيه الشباب
إلى الخير، وقيادتهم إلى أقوم السبل، في أقوال تصدقها الأفعال حتى لا يقعوا فيما
يمقته الله سبحانه : " يا أيها الذين أمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبُر
مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون "
فاتقوا الله عباد الله ووجهوا الشباب التوجيه
الصالح الرشيد، وكونوا لهم قدوة في توجيهكم، وأئمة في هدايتكم، يصلح بكم أبناؤكم،
وينتفع بكم مجتمعكم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية
إن الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا
نبي بعده.... وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله – صلى الله
عليه وسلم –
عباد الله :
لقد علم أعداء الإسلام أهمية دور الشباب في
بناء الأمة، فحرصوا حرصاً عظيماً على تبدبد هذه الثروة الغالية، وتعطيل طاقتها،
وإفساد قوتها وإبعادهم عن دينهم، وإشغالهم بما لا ينفعهم، فأدخلوا إلى عقولهم
الأفكار المنحرفة، وزينوا لهم الفتن، وجرءوهم لمعاداة أهليهم وزويهم وولاة أمورهم،
وأعانوهم على الوقوع في الحرام، وأوهموهم أن ذلك من الجهاد في سبيل الله، وكذبوا
والله، فإن معرفة مواطن الجهاد لا يتم إلا بعد الرجوع إلى العلماء الربانيين، وبعد
ذلك إستئذان الوالدين وولي الأمر، لئلا تختلط الأمور ويقع الناس في الفتن وهم لا
يشعرون.
إخوة الإيمان : إن العلم الشرعي والفهم
الدقيق للواقع، والإحاطة التامة بأحوال البلاد لا غنى عنها في فهم هذا الأمر
العظيم، فكثيراً ما تختلط الأمور ويأخذ الحماس شباباً فيبالغون ويحمّلون أنفسهم ما
لا طاقة لهم به، وبالتالي ينتج عن ذلك كثير من المفاسد والمصائب العظيمة.
وإن تصدر بعض الناس ممن لم يُعرفوا في العلم
فضلاً عن التبحر فيه، لمجالس الفتيا وإصدار الفتاوى المجردة عن الدليل الشرعي أضاع
كثيراً من الجهود، وكان سبباً في إغلاق أبواب خير كثيرة، وفتح أبواب شر أكثر.
فعلى كل شاب أن يتريث إذا التبست عليه
الأمور، ويرجع إلى أهل العلم المعروفين بالصدق والإخلاص، والحذر الحذر من الأخذ
بكل ما يسمع، ومن الإفتاء بغير علم لئلا يورد نفسه وغيره موارد الزلل والهلاك، وقد
أمرنا الله سبحانه أن نرجع إلى أهل العلم فيما لا علم لنا به، قال تعالى: "
وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون
"
عباد الله : إن مما يعتصر له القلب أن بعض
شبابنا الطيبين نتيجة لبعدهم عن العلماء الربانيين، وجهلهم بمآلات الأمور، وتغليب
عاطفتهم على الشرع، أصبحوا ضحية سهلة لأطراف مبشوهة، وأيد خفية تطيح بهم في رحى
الصراعات السياسية والأحزاب الضالة بإسم الجهاد في سبيل الله والدفاع عن الإسلام،
مما أوقعهم في كثير من المحاذير الشرعية كمعصية ولي الأمر، والخروج عن طاعته،
وعقوق الوالدين، والقتال دون تبصر بحقيقة الحال والمآل، وهو بذلك أصبح معول هدم
لبلاده ومجتمعه وهو لا يدري، لأنهم يجعلونه أداة يتلاعبون به كيفما شاءوا
اليوم الزم بيتك ولا تخرج، وغداً الخروج واجب
على كل أحد، لا يردون ذلك إلى دليل شرعي وكأن للأمر كل يوم حكم ديني، وما هو إلا
أنهم يسيرون بأهواء الرجال ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أخي الشاب : عليك أن تتحصن بالعلم الشرعي على
أيدي العلماء الراسخين، وأن تسير على نهج السلف الصالح، وتلزم جماعة المسلمين التى
يوهمونك زوراً وبهتاناً أنها لم تعد موجودة.
عليك أن تلزم طاعة من ولاه الله أمرنا في
المنشط والمكره والعسر واليسر كما أوصانا رسول الله صل الله عليه وسلم.
احرص على الإجتماع وعدم التفرقة، فالأمة لا
تكون قوية متماسكة إلا بإجتماع أمرها في عقيدتها ومنهجها وطريقها ودعوتها، وأن
تحذر من التعصب للأهواء والأراء، وابتعد عن دعاة الشر والضلالة، ممن قل علمه، وقصر
فهمه، وساءت نيته.
أيها الشباب :
أنتم قدوة للمجتمع، والمجتمع يؤمل عليكم
الخير الكثير، فكونوا عند حسن الظن، ودعوا عنكم المرجفين والمتهورين، والزموا غرز
علمائكم فهذا خير لكم في العاجل والآجل.
أسأل الله جل وعلا أن يحفظ شبابنا من كل سوء،
وأن ينير بصائرهم بنور العلم والإيمان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق