ذكر العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في تفسيره المعروف بإسم " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " ، ذكر فصل في شئ من العبر والفوائد التي اشتملت عليها قصة يوسف عليه السلام،
أنقلها لكم بإيجاز وتصرف :
1. أن هذه القصة من أحسن القصص وأوضحها وأبينها، لقوله تعالى في بداية السورة : " نحن نقص عليك أحسن القصص " ، ولما فيها من العبر والأيات .
2. أن تعبير الرؤيا علم له أصول، وقد علمه الله يوسف عليه السلام، لقول أبيه له : " وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث "
3. كما أن الأنوار زينة السماء وجمالها، فكذلك الأنبياء والعلماء، زينة الأرض وجمالها، وبهم يهتدي في الظلمات،
ولأن الأصل أبوه وأمه، وإخوته هم الفرع، فمن المناسب أن يكون الأصل أعظم نوراً، وهذا في قوله : " إني رأيت أحد عشر كوكباً " وهم إخوته ، " والشمس والقمر " وهم أبوه وأمه.
4. أن هذه القصة وغيرها دليل على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم حيث قص تلك القصص على قومه وهو لم يقرأ كتب الأولين، ولا دارس أحداً.
5. أنه ينبغي البعد عن أسباب الشر وكتمان ما تخشى مضرته، لقول يعقوب ليوسف : " لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً " ، ومنها أنه يجوز ذكر الإنسان بما يكره على وجه النصيحة لغيره، لقوله " فيكيدوا لك كيداً "
6. أن نعمة الله على العبد نعمة على من يتعلق به، من أهل بيته وأقاربه وأصحابه، لقول يعقوب ليوسف : " ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب "
7. أن العدل مطلوب في كل شئ حتى في معاملة الوالد لأولاده، في المحبة والإيثار
8. الحذر من شؤم الذنوب، وأن الذنب الواحد يستتبع ذنوباً متعددة، فإخوة يوسف احتالوا على أبيهم لأخذ يوسف وكذبوا عدة مرات حتي يستطيعوا التفريق بين يوسف وأبيه.
9. أن العبرة في حال العبد، بكمال النهاية لا بنقص البداية، فإخوة يوسف قد تابوا وأنابوا وسامحهم أخوهم ودعا لهم أبوهم، وهم الأسباط الذين ذكرهم الله في كتابه مع الأنبياء، فإن لم يكونوا أنبياء فهم علماء هداة.
10. أن بعض الشر أهون من بعض، وارتكاب أخف الضررين أولى من ارتكاب أعظمهما، لقول القائل من إخوة يوسف : " لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابات الجب "
11. أن الشئ إذا تداولته الأيدي، وصار من جملة الأموال، لا يعلم حله من حرمته، فلا إثم على من باشره ببيع أو شراء، فإخوة يوسف قد باعوه بيعاً محرماً، فذهبت بيه السيارة إلى مصر وباعوه بها .
12. الحذر من الخلوة بالنساء، اللائي يخشى الفتنة منهن، والحذر أيضاً من المحبة التي يخشى ضررها.
13. أن الهم الذي جاء به يوسف، هم دافعه بتقوى الله ولا يلام عليه، لأن الهم الذي يلام عليه العبد، الهم الذي يساكنه، ويصير عزماً ، ربما اقترن به الفعل.
14. أن من كان مخلصاً لله في إيمانه، يدفع الله عنه أنواع السوء والفحشاء وأسباب المعاصي " كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين "
15. ينبغي للعبد إذا رأى محلاً فيه فتنة وأسباب معصية، أن يفر منه ويهرب.
16. إذا وجد المسروق في يد السارق، خصوصاً إذا كان معروفاً بالسرقة، فإنه يحكم عليه بالسرقة، وهو أبلغ من الشهادة.
17. أن الملك ترتبط به أحوال الرعية ومصالحها، وبصلاحه تصلح، وبفساده تفسد.
18. ما عليه يوسف من الجمال الظاهر والباطن، فأما الظاهر فهو ما أوجب للمرأة التي هو في بيتها ما أوجب، وأما الباطن فهو العفة العظيمة عن المعصية، مع وجود الدواعي الكثيرة لوقوعها.
19. أن يوسف عليه السلام اختار السجن على المعصية، وهكذا ينبغي للعبد إذا ابتلي بين أمرين، إما معصية أو عقوبة دنيوية، أن يختار العقوبة على مواقعة الذنب الموجب للعقوبة في الدنيا والأخرة.
20. ينبغي للعبد عند وجود أسباب المعصية أن يلتجئ إلى الله لحمايته منها ، " وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين"
21. أن العلم والعقل يدعوان صاحبهما إلى الخير، وينهيانه عن الشر، وأن الجهل يدعو صاحبه إلى موافقة هوى النفس.
22. ينبغي على العبد أن يخلص العبادة لله في الرخاء والشدة، فقد كان يوسف عليه السلام نعم العبد قبل السجن وبعده وأثناء مكوثه فيه.
23. من فطنة المرء أنه إذا وجد أحد له قابلية للدعوة، دعاه إلى الله، كما فعل يوسف عليه السلام مع فتيان السجن ودعاهم إلى عبادة الله .
24. أن من وقع في مكروه وشدة، لا بأس أن يستعين بمن له قدرة على تخليصه، أو الإخبار بحاله، كما قال يوسف للفتى : " اذكرني عند ربك "
25. أنه ينبغي للمسئول أن يدل السائل على أمر ينفعه، مما يتعلق بسؤاله، وذلك في بيان يوسف لرؤيا الملك وكيف ينبغي لهم أن يفعلوا.
26. أن العلم له الفضيلة على الصورة الظاهرة، فقد دخل يوسف السجن بسبب جمال خلقته، وخرج منه بسبب علمه وخلقه.
27. أن علم التعبير من العلوم الشرعية، وأنه يثاب الإنسان على تعلمه وتعليمه، وأنه داخل في الفتوى، لقوله : " قضي الأمر الذي فيه تستفيان "
28. أنه لا بأس أن يخبر الإنسان عما في نفسه من صفات الكمال من علم أو عمل، إذا كان في ذلك مصلحة ولم يقصد به العبد رياء وسلم من الكذب ، لقول يوسف : " اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم "
29. لا تذم الولاية إذا كان المتولي فيها يقوم بما يقدر عليه من حقوق الله وحقوق عباده، وأنه لا بأس بطلبها إذا كان أعظم كفاءة من غيره.
30. حسن تدبير يوسف لما تولى خزائن الأرض، حتى صار أهل الأقطار يقصدون مصر لطلب الكيل منها.
31. مشروعية الضيافة، وأنها من سنن المرسلين، لقول يوسف لإخوته : " ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين"
32. أن سوء الظن مع وجود القرائن الدالة عليه غير ممنوع ولا محرم، لقول يعقوب عليه السلام لأولاده : " هل آمنكم عليه كما أمنتكم على أخيه من قبل "
33. استعمال الأسباب الدافعة للعين وغيرها من المكاره، حيث قال يعقوب لبنيه : " لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة"
34. جواز استعمال المكايد التي يتوصل بها إلى الحقوق، كما فعل يوسف ليحبس أخاه معه.
35. ينبغي لمن أراد أن يوهم غيره بأمر لا يحب أن يطلع عليه، أن يستخدم المعاريض القولية والفعلية، كما قال يوسف لإخوته : " معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده " ولم يقل سرق متاعنا .
36. أنه لا يجوز للإنسان أن يشهد إلا بما علمه، لقول إخوة يوسف : " وما شهدنا إلا بما علمنا ".
37. أن الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر، وإنما الذي ينافيه الشكوى إلى المخلوقين، لقول يعقوب عليه السلام : " إنما أشكو بثي وحزني إلى الله "
38. جواز إخبار الإنسان بما يجد، وما هو فيه من مرض أو فقر ونحوهما على وجه غير التسخط، كما قال إخوة يوسف : " يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر "
39. ينبغي لمن أنعم الله عليه بنعمة بعد شدة وفقر وسوء حال ، أن يعترف بنعمة الله عليه ولا يزال ذاكراً حاله الأولى، كما قال يوسف : " وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو "
40. ينبغي للعبد أن يتملق إلى الله دائماً في تثبيت إيمانه، ويعمل الأسباب الموجبة لذلك، ويسأل الله حسن الخاتمة وتمام النعمة، كما فعل يوسف عليه السلام : " رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والأخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين " .