قد يتبادر إلى ذهنك فور قرائتك للعنوان أني سأتحدث عن قصص الصابرين وثواب
وجزاء الصبر عند رب العالمين، وذلك ولا شك مما يشحذ الهمم ويعين على تحمل البلاء
ليكون لنا فيمن سبقونا عبرة وعظة
ولكن الصبر كعمل قلبي في المقام الأول، يجب معرفة ماهيته قبل السؤال عن
ثوابه أو التحدث بأخبار رجاله
وبقدر ما يبدو ذلك بديهياً، إلا لو أنك سألت أحدهم كيف هو الصبر؟ لما استطاع أن يضع لذلك فقهاً عملياً ينتهجه!!
فما هو الصبر ؟!
الصبر لغة هو نقيض الجزع، وهو التجلد وحسن الإحتمال، والصبر عن المحبوب حبس
النفس عنه، والصبر على المكروه احتماله.
وعرفه أهل العلم بأنه الصمود المستمر على الأشياء المؤلمة نفسياً وتحملها
بروح عالية ونفس طيبة دون إظهار ملامح الإستياء والإنفعال على الوجه بحيث لا تكون مرئية
أو محسوسة من قبل الاخرين.
أما اصطلاحاً فقد كان للصبر معان مختلفة حسب علماء الدين،
قال الأصفهاني : هو حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع ، وعما
يقتضيان حبسها عنه .
وقال ذو النون المصري : هو التـباعد عـن المخالفـات
، والسكون عند تجرع غصص البلية ، وإظهار الغنى مع حلول الفقر بساحات المعيشة.
وقال الجرجاني : هو ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله .
وقال ابن القيم : هو حبس النفس عن الجزع والتسخط ، وحبس اللسان
عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التشويش.
وحكي أبو بكر الأنباري عن بعض العلماء أنه قال : إنما سمي الصبر صبراً لأن تمرره في القلب وإزعاجه للنفس كتمرر الصبر ( وهو دواء مر معروف عند العرب قديماً ).
أما أنواع الصبر، فهناك أنواع حسب درجته هي:
الصبر : وهو حبس النفس عما لا يُحسَن
التصبر : وهو الصبر بتكلف وتمرن، كما جاء في حديث النبي – صل الله عليه
وسلم – " ومن يتصبر يصبره الله "
الأصطبار : هو أبلغ من التصبر، فلا يزال المرء يتصبر حتى يصير اصطباراً
المصابرة : وهي مقاومة الخصم في ميدان الصبر، أي كان ذلك الخصم من فعل مشين
أو شخص وخلافه، كما في قوله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
"
أما عن الفرق بين الصبر والإحتمال، فإن إحتمال الشئ هو
كظم الغيظ فيه، أما الصبر على الشئ هو حبس
النفس عن المقابلة عليه بالقول والفعل.
وهناك من قسم الصبر إلى بدني ونفسي
وغيرهم قسمه إلى إجباري كالصبر على المرض
واختياري كالصبر على الأعمال الشاقة
وهناك من قسم الصبر حسب ما يتعلق به إلى :
·
صبر على الأوامر والطاعات حتى يؤديها
·
صبر على المعاصي حتى لا يقع فيها
·
صبر على الأقدار حتى لا يتسخطها
ولا شك أن تلك التقسيمات يتفرع منها تقسيمات أخرى كالصبر على الظلم والصبر
على فقد الأحبة والصبر على الإبتلائات وغيرها.
وإننا حين نبذل ذلك الجهد كله في معرفة الصبر فقط ليس
ذلك إلا لمنزلته من الدين، فقد قال إمام أهل السنة والجماعة أبو عبد الله أحمد بن حنبل:
" ذكر الله سبحانه الصبر في القرآن في تسعين موضعًا "
للترغيب في الصبر وبيان عظم أجره، فقد قال تعالى :
" أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا " القصص
وقال رسول الله – صل الله عليه وسلم – في الحديث الذي رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري : "
ما أعطي أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر "
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ألا إنَّ الصبر من الإيمان
بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس باد الجسد، ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان
لمن لا صبر له).
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إنَّ أفضل عيش أدركناه
بالصبر، ولو أنَّ الصبر كان من الرجال كان كريمًا).
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الصابرين المحتسبين